ما لم تقله الباسقة.
في الفضاء الشاسع تبتلع الرمال كل الأشياء، تغطي عرض الصحراء الكبرى، ظاهرها كباطنها السحيق، يحسه المرء كلما توغل في أعماقها، أكثر جمالًا واكتمالًا. دفعني الفضول لاكتشفها، فتنقلت في نواحيها منفردًا، أجوب ما قدرني الله أنّ أجوبه، فاحصًا إياها بعين فكري، أتلقى ما توحي به من معانٍ مجردة.. هي المتجردة من كل مظاهر العمران الكاذبة، كل نبوءة تكشفها، صادقة. لم تبح بها لأي أحد. تمرّ أيام، تحن فيها الصحراء على الوحيد المنفرد، تكشف أسرارها في هدوء محبب، أحدق في السماء، يصفو الذهن، يتطهر من أدرانه، منظر السماء مرصعة بالنجوم، والأرض الفسيحة الممتدة، والرمال الناعمة.. السماء والأرض وهما يتقاطعان في بعدٍ واحد، لا نهاية له تحت مرأى العين. صورة بها من التفاصيل ما يأخذ بمجامع القلب. ثم تأتي تلك الأيام، فتقسو بشدة، أفقد حواسي من كثرة الأوهام، تتوه دروبي، ويأخذ الخوف يتدفق في روحي، كمن لم تطأ قدماه صحارٍ من قبل.. أرى نفسي مسكينًا شقيًا، تسلب مني بوارق الأمل؛ في إيجاد ما يشبه الحياة في هذا الشاسع. يثار السؤال "ألاّ تتفجر حياة من الجرداء المقفرة؟" *** أسير هائمًا على وجهي، تزحف الكثبان نحوي،