المشاركات

عرض المشاركات من 2021

ماذا بعد تهافت المشاعر؟

صورة
  اعتدت مع انصرام العام ألا أذكر أيًا من تفاصيله، لا أعاود فتح السجلات، ولا أمجد المنجزات -أن وجدت أصلًا- ولا أهنئ نفسي عليها، ولا أكبر أفعالي في عيني.. يدبر الأمس، يأفل الدهر، تطوى الأحداث التي يسلط فيها الضوء علّي كطي الورق، يمر كل شيء بهدوء لا يطيقه من لم يعتده. لعلّك ترى في تصرفي مبالغة، ولربما تراه عقابًا للنفس فلا يوجد أيّ بأس في مراجعة السجلات، ومدح المنجزات، التأمل في مكمن الأخطاء لتلافيها، وتشجيع النفس الضعيفة بالمسرات.. لكني يا صديقي، كالإسفنجة تشربت عادات أهل بيتي عمرًا، تمضي أعوامنا وتأتي أخرى وشعورنا واحد، نردد جملة واحدة : حمدًا لله على السلامة. وفي بعض الأحيان تمضي أعوامنا بصمتٍ مريب، لا يفهم أحد منا خباياه.  اليوم على أعقاب السنة الميلادية أقف، مستغرقة في صمتي، متأهبة للنطق بتلك الجملة كما لوكنت آلة، لكن تنبيهًا ومض من هاتفي ووجه انتباهي لمفكرة كتبتها قبل عامين، وقد لخصت فيها أهم ما عايشته في عامي ذاك، أغمضت عيني في ذهول وهرعت مسرعة لقراءة تلك المفكرة؛ التي خرقت بسببها عادتي. تستفتح المفكرة بهذه السطور : " السنة الميلادية شارفت على الانتهاء، لم أود أن تكون السنة كس

أم السعف والليف

صورة
  صباح طويل هادئ، تتلون فيه الوجوه وتكابد، تصفر تارة من شدة الجوع، وتحمر من شدة الانزعاج.. حصة دراسية متخمة بالثقل والإرهاق، يتباطأ فيها الفكر والاستيعاب، تهتز الأقدام في توتر، ترتفع صوت طرقات الأقلام، همسات خفية.. في خضم الجو، يرن جرس المدرسة بصوته المدوّي كالصريخ، معلنًا عن دخول لحظة الإفراج عن مساجين الفصول، إنها الفسحة. تندفع الأجساد بجنون، يتسابق المتسابقون، ويتدافع المتدافعون نحو مطعم المدرسة.. لا يدرك أيّ منّا عما أن كان الحظ سيحالفه هذه المرة ليصل أولًا، ليشتري أشهى الأطعمة قبل نفادها.. بالقرب من موقع المنافسة، ألمح قريبتي من البعيد، أهرع إليها تاركةً فرصتي للظفر بأشهى الأطعمة.  تأخذنا الأحاديث بانسيابية، تسألني عن بستان جدي الذي سنزوره غدًا، لأنها عطلة الأسبوع.. نضع المخططات، ونرتب الأنشطة يقطعنا، صوت الجرس المزعج معلنًا نهاية الخطط. تتواشج الأجساد، تنتثر كحبات خرز في الممرات، صخب، ضجيج، ينتهي كل هذا بدخول المعلمات إلى الصف. في نهاية اليوم الطويل، نودع الأصدقاء بأهازيج، تتعالى أصواتنا في ايقاع واحد نردد : "على البيت على البيت، نأكل بطاطا وشوكليت " وفي رواية أخرى &quo

بوصلة زمنية.

صورة
      بخطوات ملؤها التردد، يقف أمام الباب المتهالك.. يحركه خطوة للأمام صوتٌ لحوح في رأسه، ويجره للخلف خوفه، يمل تردده الطويل؛ وبثقل العالم كله يفتح الباب ويلج إلى داخله. في الداخل استقبلته رائحة الأغبرة المتراكمة، صدى حركاته المترددة، وفي كل زاوية كانت الذكريات، تحتضنه باندفاع شديد. منزله الذي أصبح قاعًا صفصفًا؛ يؤذي القلب منظره ويملأه وحشةً وغربة.. آل إليه بعد مضي السنوات وطول المسافات، ينظر إليه نظرة الانتماء والولاء، يتبسم له والعينان مخضلّتان وبصوتٍ محشرج يقول:  هأنذا، عدت من جديد.       " ما أجمله من شعور!"  نطقت بهذا وأنا أتمعن في خبايا النص القديم الذي كتبته في إحدى الأيام، وقد غابت عني دوافع كتابته، فأحسست بالمشاعر الدفينة التي تغذى عليها، وتلمست أشد مشاعر هذا النص قوةً وتشبعًا بالعاطفة، وهي التي تركزت بقوة في "معنى العودة" وفكرتها التي سلبتني لبي بكل صورها المتناقضة عذبة كانت أم ثقيلة، ولوعة بها وحسب.   تيقظت حواسي لهذه الفكرة مبكرًا، ما كانت تمر مرور كرام، فبمجرد أن أشعر بها، أسحب لزمن لا يشبه الحاضر ولمكان لا وجود له إلا في الذاكرة، هناك حيث تولد المشاعر